قضية تعقيم ذوي الإعاقة الذهنية

تعقيم ذوى الإعاقة بين التأييد والرفض

من القضايا الشائكة المتعلقة بالإعاقة الذهنية موضوع التعقيم Sterilisation أو الإخصاء ،ورغم أهميتها وخطورتها إلا أنها لم تنل النصيب والقدر الكافي من الكتابة.

 ولذا سوف نتعرض لهذه القضية فى هذا المقال من خلال أبعادها المختلفة التاريخية والطبية والدينية والقانونية وغيرها.

تعقيم ذوى الإعاقة بين التأييد والرفض


مفهوم تعقيم ذوو الإعاقة الذهنية

يعرفه محمد الشناوي فى كتابه التخلف العقلى، بأنه " تلك الإجراءات - فى الغالب طبية- التى تتخذ لمنع الفرد من التناسل ، ويمكن أن تتم عن طريق الجراحة وهو الغالب أو باستخدام عقاقير خاصة.

تاريخ تعقيم ذوو الإعاقة الذهنية

يسرد Maherali تاريخ تعقيم ذوو الإعاقة الذهنية كالتالى:

 تعرض ذوو الإعاقة الذهنية فى كثير من المجتمعات للحرمان من حقهم فى الإنجاب وتربية الأطفال فى الرشد، وظهرت في أوروبا وأمريكا حركة تحسين النسل التي دعت إلى تعقيم ذوو الإعاقة الذهنية.

وكانت ولاية إنديانا الأمريكية أول ولاية تستجيب لهذه الدعوة ، وجعلت تعقيمها إلزاميًا، وتبعها فى ذلك كثير من الولايات الأمريكية الاخرى، ثم أخذت كندا وبعض الدول الأوروبية بمبدأ التعقيم الإجباري لذوي الإعاقة الذهنية من الشباب قبل تسريحهم من دور الرعاية والمستشفيات.

ونصت بعض قوانين التعقيم الجنسى على أن يكون التعقيم لذوى الإعاقة الذهنية بحكم قضائى من المحكمة، وأكتفت قوانين اخرى بتشكيل فريق تحسين النسل من طبيب نفسى وقاضى وأخصائى اجتماعى يكون مسئولاً عن دراسة حالة كل شاب، واتخاذ قرار التعقيم،

 وكان الفريق يقرر تعقيم الشخص بمجرد ما يثبت أنه من ذوى الإعاقة الذهنية، ثم تقوم السلطات فى المستشفى بإجراء عملية التعقيم إجباريًا وبعدها يسمح له بالخروج من المستشفى والزواج.

واستمر العمل بقوانين تعقيم ذوو الإعاقة الذهنية فى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، وبلغ عدد الشباب الذين تم تعقيمهم في الولايات المتحدة الأمريكية فى سنة 1937 حوالى 4730 شابًا.

ويقول Drew كانت مستشفى ولاية الباسفيك Pacific State Hospital  أول مستشفى تقوم بعملية التعقيم بشكل روتينى ، ووصلت نسبة من تم تعقيمهم 44% في سنة 1935 ثم زادت إلى 69% سنة 1946 من حالات ذوى الإعاقة الذهنية التى ترددت على المستشفى.

بعدها ظهرت الدعوات الإنسانية فى مجتمعات عديدة إلى وقف عملية التعقيم، وكان لهذه الدعوات الفضل فى تعديل قانون التعقيم الجنسى سنة 1937 وجعلوه بموافقة الشخص، ثم تم إلغاؤه سنة 1973 .

كما تم تعديل قانون المستشفيات فى كندا ونص على ضرورة استشارة طبيب متخصص قبل استئصال الرحم لأى سيدة قبل سن الأربعين وقبل إجراء عمليات التعقيم للذكور والإناث بحيث لا يكون التعقيم إلا للعلاج، سواء كان ذلك من ذوى الإعاقة الذهنية أو من غيرهم .

المؤيدون والمعارضون لتعقيم ذوو الإعاقة الذهنية

يستعرض كمال مرسى فى كتابه مرجع فى التخلف العقلى، المؤيدون والمعارضون لتعقيم ذوو الإعاقة الذهنية على النحو التالى:

أولاً : المؤيدون

  • الخوف من إنجاب الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية، فالأبناء يأخذون نفس خصائص الآباء العقلية.
  • الخوف من إهمال الأطفال والإساءة إليهم، فالأباء من ذوي الإعاقة الذهنية لا يقدرون على تربية أبنائهم بسبب قصور عقولهم وضعف دافع الأمومة والأبوة عندهم.
  • تخفيف الرغبة الجنسية عندهم، فذوو الإعاقة الذهنية لديهم رغبة جنسية عالية وسلوكياتهم الجنسية غير منضبطة.
  • التعقيم عملية سهلة ليس لها أثار جانبية على الشخص المعاق ذهنيًا، وتحمي المجتمع من مشاكل أسرية واجتماعية كثيرة.

ثانيًا: المعارضون ، دحض ادعاءات التعقيم

لم تؤيد الدراسات على الوالدية عند ذوو الإعاقة الذهنية والعاديين صحة المزاعم إلى تعقيم ذوو الإعاقة الذهنية، حيث أشارت نتائجها إلى الأتى:

  • العاديون ينجبون أطفال من معاقون ذهنيًا وليس فقط ذوو الإعاقة الذهنية.
  • الخصائص الوراثية عند كثير من ذوو الإعاقة الذهنية عادية وغير معروف سبب تأخرهم العقلى، ويحتمل عدم ظهور المشكلة في ذريتهم.
  • الخصائص الوراثية عند بعض العاديين غير جيدة وقد تؤدى إلى إنجاب أطفال من ذوي الإعاقة الذهنية.
  • كثير من المعاقين ذهنيًا كانوا أمهات وأباء صالحين يحبون أطفالهم، ويحسنون رعايتهم، وكانت دوافع الأبوه والأمومة عندهم جيدة، تجعلهم رحماء بصغارهم.
  • بعض العاديين والأذكياء كانوا أباء وأمهات غير جيدين، اهملوا صغارهم، وأساءوا إليهم، وانعدمت عندهم المودة والرحمة بالأطفال.

رأى الشريعة الإسلامية فى تعقيم ذوى الإعاقة الذهنية

يرى محمد الشناوى مرجع سابق أنه بالنسبة للمجتمعات الإسلامية العربية – حسب علمه – لم تكن قضية تعقيم الأشخاص المعاقين ذهنيًا ولا غيرهم - المجرمون مثلاً- مطروحة على إطار البحث أو التقنين فى أى وقت من الأوقات.

لكن يجب أن نلاحظ أن الشريعة الإسلامية التى تقوم على مقاصد حماية الدين والنفس والعقل والمال والنسل تحدد شروطًا فقهية للزواج ولكثير من الأنشطة ومنها البلوغ والعقل وغيرها من الشروط.

ويضيف كمال مرسى مرجع سابق أن المجتمعات الإسلامية قد أقرت من قرون عديدة ما انتهت إليه القوانين الوضعية الحديثة، من عدم حرمان المعاقين ذهنيًا من الإنجاب و إشباع حاجاتهم للوالدية ماداموا قادرين على الزواج والإنجاب شأنهم فى ذلك شأن الأشخاص العاديين.

 وحرم الإسلام الاختصاء للمعاقين ذهنيًا وغيرهم من العاديين بدون سبب علاجي فقال الرسول صلى الله عليه وسلم  " ليس منا من خصى أو اختصى " . ودعا المسلمين إلى الزواج والإنجاب. فقد قال صلى الله عليه وسلم " تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة "

وحث على زواج الودود الولود ورغب فى انجاب الولد الصالح الذى يدعو لأبيه سواء كان من ذوى الإعاقة الذهنية أو غيرهم.

لكن من الملاحظ فى موقف الشريعة من زواج حالات الإعاقة الذهنية الشديدة والمتوسطة أنها منعتهم من الإنجاب.

تعقيم ذوو الإعاقة الذهنية من الناحية القانونية

تضمن القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة مادة تجرم تعقيم ذوو الإعاقة الذهنية وحددت عقوبة السجن المشدد لمن يقوم بذلك دون سند قانونى.

وهى المادة 48 من القانون رقم 10 لسنة 2018 والتى نصت على أنه:

"يعاقب من يقوم بإخصاء أو تعقيم او إجهاض غير قانونى للأشخاص ذوى الإعاقة أو التحريض على ذلك بالسجن المشدد"

اعتبارات أساسية فى قضية تعقيم ذوي الإعاقة

فيما يلي يمكننا استعراض بعض النقاط المتعلقة بهذه القضية:

احترام كرامة الفرد

 يجب أن نؤكد على أن ذوي الإعاقة الذهنية هم أفراد يستحقون الاحترام والمساواة في المجتمع. يجب أن يكون أي نقاش حول التعقيم مرتبطًا بحقوق الفرد وحريته الشخصية، وأن يتم التعامل معه بشكل يحترم كرامته ويحافظ على حقوقه.

الاتفاقات الدولية والقوانين

هناك اتفاقيات دولية وقوانين وطنية تحدد حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتضمن حمايتهم. يجب أن يكون أي نقاش حول التعقيم مطابقًا لهذه القوانين والقواعد الأخلاقية والقانونية.

الحاجة الطبية والأخلاقية

في بعض الحالات النادرة، يمكن أن يكون التعقيم خيارًا طبيًا يتعلق بصحة وسلامة الفرد ذو الإعاقة الذهنية. وفي هذه الحالات، يجب أن يتم اتخاذ قرار التعقيم بناءً على معايير طبية محددة واحترام الإرادة المستقلة للشخص المعني، إن أمكن.

حقوق الاختيار والموافقة

يجب أن يكون للفرد ذو الإعاقة الذهنية الحق في اتخاذ قرارات بشأن جسده وصحته، إن أمكن. يجب العمل على تعزيز الوعي وتوفير المعلومات والدعم اللازم للفرد وعائلته لاتخاذ القرارات المناسبة وفقًا للظروف الفردية.

التوعية والتثقيف

يجب أن يكون هناك توجيه وتثقيف للمجتمع والعاملين في مجال الصحة حول قضايا التعقيم وحقوق ذوي الإعاقة الذهنية. ينبغي تعزيز الوعي بالتحديات التي يواجهها هؤلاء الأفراد والبحث عن حلول أخرى تمثل توفير الدعم الطبي والتربوي المناسب لهم.

في النهاية، فإن قرار تعقيم ذوي الإعاقة الذهنية هو قرار شخصي يجب أن يتخذه الشخص ذو الإعاقة الذهنية، أو وليه القانوني، أو الطبيب المختص.

يجب أن يتم اتخاذ هذا القرار بناءً على ما هو أفضل للفرد ذوي الإعاقة الذهنية، وليس بناءً على مصالح المجتمع أو الأسرة.

المراجع والمصادر:

القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة فى مصر.

كمال ابراهيم مرسي 1999 : مرجع فى علم التخلف العقلي، دار النشر للجامعات، القاهرة.

محمد محروس الشناوي 1997 :  التخلف العقلى، الأسباب- التشخيص – العلاج ،  دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة.

Drew, C.J.Logan, D.R. &Hardman,M.L 1990 : Mental retardation New York : Macmillan Co

Maherali,Z  1989 : Parenting rights of the mentally handicapped .Journal of special education,13(3) 235-252.

تعليقات

المشاركات الشائعة